اتخذت الحكومة الإسرائيلية في جلستها المنعقدة بتاريخ 8 آذار عام 2016 قرارًا (رقم القرار: 1236) حول "تعزيز التعاون الاقتصادي بواسطة تشغيل عمّال فلسطينيّين في إسرائيل". وقد أقرّت الدولة من خلال هذا القرار زيادة عدد عمّال البناء الفلسطينيّين الذين يحصلون على تصاريح تتيح لهم العمل في إسرائيل، وفحص امكانية إدخال تغييرات على طريقة تشغيل العمّال الفلسطينيّين في إسرائيل.
وقد أوعزت الحكومة الإسرائيلية، من أجل تحقيق هذا الغرض، بتشكيل طاقم مكوّن من مندوبي العديد من الوزارات الحكوميّة "لتحسين التنظيم والتغيير في توزيع العمّال"، برئاسة مسؤول الميزانيات في وزارة المالية، وبمشاركة رئيس قسم الإسكان والمدراء العامّين في وزارة البناء والإسكان ووزارة الاقتصاد والصناعة، ووزارة الأمن (الدفاع)، ووزارة الشرطة (الأمن الداخلي)، ووزارة العدل، وسلطة تسجيل النفوس وممثل بنك إسرائيل، "لغرض تنظيم مجال عمل العمّال الفلسطينيّين،" وفقا لهذا القرار.
ورحّبت جمعية "عنوان العامل" بقرار الحكومة الإسرائيلية وبورقة الموقف التي تتناول الثغرات والتجاوزات التي تعاني منها الطريقة الحالية المتّبعة في تشغيل العمّال الفلسطينيّين، واقترحت "عنوان العامل" النظر إلى هذا القرار 1236 على أنه فرصة لتعزيز الجوانب المختلفة فيما يتعلّق بتشغيل العمّال الفلسطينيّين لضمان شروط عمل نزيهة وآمنة.
وقد سعينا إلى عرض موقفنا أمام اللجنة المشتركة المكوّنة من مندوبي عدّة وزارات عند إنشائها ونشرها نداءات للجمهور لعرض مواقف ووجهات نظر أمامها فيما يتعلق بأعداد العمّال الفلسطينيّين الذين يعملون في قطاع البناء، فتمّ توجيه الدعوة إلى السيدة حانا زوهر، مؤلفة ورقة الموقف للمشاركة في النقاش الذي استضافه معهد فان لير في القدس يوم الأحد 15 أيار 2016.
تقضي توصيتنا الأساسية بتخصيص حصة تصاريح إجمالية لتشغيل العمّال الفلسطينيّين في قطاع البناء، وقد حظيت هذه التوصية بالاهتمام، فتم توجيه العديد من الأسئلة إلى السيدة حانا زوهر، وخاصّة حول كيف يمكن تطبيق هذه التوصية بتخصيص حصة تصاريح إجمالية لتشغيل العمّال الفلسطينيّين. وعلى أثر هذا النقاش قمنا بصياغة التوصية بمزيد من التفصيل مع الالتفات إلى مسألة التطبيق بشكل خاصّ.
الحصّة الراهنة بالمقارنة مع حصّة التصاريح الإجمالية لتشغيل العمّال الفلسطينيّين
تحدّد الحكومة الإسرائيلية في الوضع الراهن حصّة قصوى من التصاريح لتشغيل العمّال الفلسطينيّين في مختلف قطاعات العمل، ويقدّم المشغّلون إلى قسم المدفوعات طلبات تخصيص شخصيّة فيما يتعلق بتصاريح العمل. يتمّ تحديد حصّة العمّال لمقاولي البناء بموجب حجم نطاق أعمال البناء. بعد تحديد عدد التراخيص لتشغيل العمّال الفلسطينيّين يقدّم المقاول طلبًا لتشغيلهم مع تسجيل تفاصيل كل عامل يرغب في تشغيله. يرسل قسم المدفوعات قوائم العمّال الفلسطينيّين إلى الإدارة المدنيّة من أجل بطاقات مغناطيسية للفلسطينيّين الراغبين في العمل في إسرائيل، ويتمّ تسليم تصاريح عمل تتضمن تفاصيل المشغّل والقطاع للعمّال الذين يعملون لدى مشغّل ما دون سواه. وعليه فالمتوقَّع من المقاولين تشغيل العمّال الذين يحصلون على التصاريح الخاصّة بهم، لكنّ هذا الأمر في كثير من الحالات لا يحدث، فإن المقاولين الذين يرغبون الاحتفاظ بتصاريح العمّال المذكورين بعد الانتهاء من العمل في البناء يحوّلون هذه التصاريح في كثير من الأحيان إلى مقاولين آخرين مقابل مبالغ مالية معينة، وتكون النتيجة أن يقوم هؤلاء المقاولون بجباية الرسوم من العمّال أو من مقاولي القوى العاملة، ممّا يروّج لعملية السمسرة في موضوع تراخيص تشغيل العمّال في قطاع البناء. وفي الواقع، فإن العديد من العمّال يدفعون ثمن كلّ واحد من هذه التصاريح التي تلقّوها مبلغا يتراوح بين 1500 و 2500 شيكل في الشهر الواحد ويعملون بمثابة مقاولين مستقلّين في أماكن مختلفة. ويشار إلى أنّ هذه الظاهرة هي ظاهرة واسعة الانتشار، وعلينا أن نفهم بأنّه عندما يكون المعاش الذي يحصل عليه العامل ضئيلا بعد قيامه بتسديد ثمن التصريح الذي حصل عليه فإنّه يتعزز لديه الإغراء بالعمل كمقاول مستقلّ يتقاضى مبالغ جيّدة.
قد تؤدّي هذه الطريقة في منح التصاريح إلى الحث على ممارسة أعمال الفساد، وقد نُشِرَتْ عبر مختلف وسائل الإعلام عدّة فضائح في مجال الرشوة بعد تقديم لوائح الاتهام والمحاكمات المنتهية بإدانة المتورّطين. وكذلك فإنّ تقرير مراقب الدولة (2014) الذي تناول موضوع "تشغيل العمّال الفلسطينيّين في قطاع البناء في إسرائيل" وجّه انتقادات لاذعة إلى قسم المدفوعات حول سلسلة من التجاوزات فيما يتعلّق بسياسة تخصيص التصاريح لتشغيل العمّال الفلسطينيّين.
يسعى الاقتراح المقدّم من قبل جمعية "عنوان العامل" إلى تفادي توزيع تصاريح على المقاولين المختلفين بشكل فردي وذلك من خلال التحوّل إلى اعتماد طريقة التوزيع القطاعي العام، حيث يستطيع كلّ مقاول مسجّل في سجلّ المقاولين لقطاع البناء والترميمات أن يشغّل – من مُجْمَل التوزيع القطاعي العام- عمّالا فلسطينيّين يحملون تصريحًا للعمل في قطاع البناء، بدون تحديد عددهم. ونحن نعتقد بأنّ هذه الطريقة أفضل بكثير من الطريقة المتّبعة اليوم، ومن شأنها أن تَحُولَ دون حدوث انتهاكات قانونية وإخفاقات في الأداء.
سبل تنفيذ الاقتراح:
العمّال الذين يرغبون في مزاولة البناء ويحصلون على بطاقة مغناطيسية صادرة عن الإدارة المدنيّة يتلقّوْن تصاريح عمل بغض النظر عمّن سيكون المشغّل. ونحن نقترح أن يتمّ تمكين جهة إضافيّة مثل مكاتب العمل الفلسطينية في الأراضي المحتلّة من منح العمّال تراخيص للعمل في إسرائيل. وعلى السؤال: "كيف نعرف أنّ العمّال لن يُضطروا لدفع مبالغ أكبر من المبالغ المحدّدة، يمكن الإجابة بأن الطريقة المتّبعة في الوقت الراهن قد باءت بالفشل، في حين أنّ الطريقة الجديدة التي نقترحها نحن بالحصول على تراخيص عمل من جهة إضافية عدا الإدارة المدنيّة قد تجعل من جمع الأموال غير المشروعة مهمّة صعبة تؤدّي إلى انخفاض ظواهر الفساد المالي، أو إلى القضاء عليها.
- كيفية تعرف العمّال والمقاولون على بعضهم البعض؟
يستطيع المقاولون نشر أسمائهم عبر شبكة الإنترنت، أو إرسال تفاصيلهم إلى مكاتب العمل الفلسطينية في الأراضي المحتلة؛ كما يمكن عقد معارض للأعمال والوظائف الشاغرة، وكما هو الحال اليوم فإن العامل يمكنه الحصول على تصريح مؤقت من أجل العثور على مشغّل.
- كيف يتمّ الإشراف على هذه العملية؟
يبدأ الإشراف على العمّال منذ إجراء الاختبارات الأولية التي تجرى لهم قبيل حصولهم على التصاريح، وتستمرّ عمليّة الإشراف في المعابر التي يتسجّل فيها العمّال عند مغادرتهم إلى العمل في ساعات الصباح. وحول السؤال: "كيف يمكن منع التسرّب المحتمل للعمّال من مشغّلين مسجّلين إلى مشغّلين غير مسجّلين، أو من قطاع ما إلى قطاع آخر؟"، فيمكن الإجابة: من الخبرات المتراكمة لدى الدول الأخرى، ففي انكلترا، على سبيل المثال، عندما يقرّر أحد المهاجرين الذين يعملون وفق تصاريح قطاعية الانتقال من العمل لدى مشغّل معين إلى مشغّل آخر، فعليه التوجّه برفقة المشغّل الجديد إلى مركز الشرطة المحليّة للقيام بعملية الفحص والتسجيل.
وهناك طريقة أخرى، على الرغم من أنّها ربّما تكون أكثر تعقيدًا، وهي واجب رفع تقارير حول مقاولين يقومون بتشغيل عمّال فلسطينيّين إلى إحدى الجهات التالية: وزارة الاقتصاد، مسجّل المقاولين في وزارة الإسكان ومديريّة السكان في وزارة الداخلية. وتكون الإدارة المدنيّة هي المسؤولة عن استبيان الموضوع.
- الرواتب والتقاعد وضريبة المقارنة
يتم تحديد رواتب العمّال وفقا للقانون وللاتفاقيات الجماعية المتعارف عليها فيما يتعلق بالعمّال الإسرائيليين، ويكون بمقدور العمّال الفلسطينيّين اختيار صندوق التقاعد أو التأمين التقاعديّ المفضّل بالنسبة لهم.
المبالغ التي يتوجّب على المشغّل دفعها وتحويلها إلى مؤسسة التأمين الوطنيّ تكون بنفس النسبة التي يدفعها المشغّلون والعمّال الإسرائيليون، وتقوم مؤسسة التأمين الوطنيّ بتحويل ضريبة المقارنة بعد اقتطاعها من هذه المبالغ، ويستمر العمّال في الحصول على نفس الحقوق الاجتماعية التي يحظون بها في الوقت الراهن.
يجب مطالبة المشغّلين بتحويل كامل الرواتب إلى حسابات العمّال المصرفية، وتسليم العمّال قسائم حول رواتبهم وبطاقات عمل، مع الإشارة إلى أن دفع الرواتب وتسجيل ساعات العمل يساعدان على رصد القانون وتطبيقه.
ملاحظات على البديل المطروح للتشغيل بواسطة شركات القوى العاملة
تنجم التكلفة الباهظة للسكن في إسرائيل عن التكاليف المختلفة التي تضاف إلى تكاليف البناء، حيث إنّ استخدام شركات القوى العاملة يرفع من سعر ساعة العمل ويؤدي إلى تآكل رواتب العمّال، وفي الواقع يحفّزهم على إيجاد أعمال أخرى لزيادة دخلهم. هذا ما تعلّمناه من تجربة نموذج تعاقد التشغيل التعهدي لمهاجري العمل. وقد باتت تكلفة ساعة المقاول الذي يتعاقد معه العامل أغلى بكثير منذ دخول شركات القوى العاملة إلى الصورة، وبالنسبة للعمّال فإن تجربة "عنوان العامل" مع شركات البناء هي تجربة غير مشجّعة على أقل تقدير، وذلك بسبب تقديم شكاوى كثيرة من قبل مهاجري العمل الذين يعملون في هذه الشركات حول ورود معطيات كاذبة في قسائم الرواتب، وحول الاقتطاع التلقائي من الأجر الشهري بعد انتقال العامل من مشغّل إلى آخر (حتى لو عمل لفترة قصيرة)، وحول عدم دفع المستحقّات للعامل مقابل عمله لساعات إضافية.
صفوة القول: تخصيص تصاريح لقطاع معين يساهم في تحسين طريقة التشغيل، سواء من حيث العمّال ومن حيث المقاولون، ويساهم في تقليل الإجراءات البيروقراطيّة المعقّدة والمحبطة التي تتسبّب في رفع أسعار البناء.
كتابة: حانا زوهر، مؤسّسة جمعية "عنوان العامل"
حيدفا يسخار، طاقم مجال العمّال الفلسطينيّين